السبت، 9 أبريل 2011

عبد الرحمن الكواكبي - الاستبداد و المال





طبائع الاستبداد

و مصارع الاستعباد


عبد الرحمن الكواكبي







الكاتب :

هو عبد الرحمن الكواكبي (
1854 - 1902 م) مفكر وعلامة عربي سوري رائد من رواد التعليم ومن رواد الحركة الإصلاحية العربية وكاتب ومؤلف ومحامي وفقيه شهير. ولد بحلب و توفي بالقاهرة و دفن فيها .


الكتاب : "طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد" :


كتب الكواكبي رؤوس مقالات "طبائع الاستبداد" في حلب ، وكان يعدلها باستمرار ، ثم وسع تلك الأبحاث ونشرها في كتاب سماه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"


يتألف الكتاب من تمهيد وتسع مقالات تدور كلها حول الاستبداد تحت
عناوين : (ما هو الاستبداد، الاستبداد والدين، الاستبداد والعلم، الاستبداد والمجد، الاستبداد والمال، الاستبداد والأخلاق، الاستبداد والتربية، الاستبداد والترقي، الاستبداد والتخلص منه)


و لأن الاستبداد يشكل ماضينا و واقعنا و هو العدو الأول الذي نسعى الآن للتخلص منه .. فنحن هنا سوف نقدم تباعاً ملخصاً لأهم فصول الكتاب ، و ذلك نظراً لخطورة محتواه و ارتباطه الوثيق بهذه المرحلة التي نعيشها ...





الاستبداد و المال



"المال يصحُّ في وصفه أن يُقال: القوة مال، والوقت مال، والعقل مال، والعلم مال، والدِّين مال، والثّبات مال، والجاه مال، والجمال مال، والترتيب مال، والاقتصاد مال، والشُّهرة مال، والحاصل كلُّ ما يُنتَفَع به في الحياة هو مال."


"والمقصود من المال هو أحد اثنين لا ثالث لهما وهما: تحصيل لذّة أو دفع ألم، وفيهما تنحصر كلُّ مقاصد الإنسان، وعليهما مبنى أحكام الشرائع كلها."


"و يُقال في مدح المال: إنَّ ما يحلُّ المشكلات الزمان والمال. القوة كانت للعصبية، ثمَّ صارت للعلم، ثمَّ صارت للمال."


" بَسَطَ المولى –جلّت حكمته- سلطان الإنسان على الأكوان، فطغى، وبغى، ونسي ربَّه وعبد المال والجمال، وجعلهما منيته ومبتغاه، كأنَّه خُلق خادماً لبطنه وعضوه فقط، لا شأن له غير الغذاء والنّكاح. وبالنظر إلى أنَّ المال هو الوسيلة الموصلة للجمال كاد ينحصر أكبر همٍّ للإنسان في جمع المال، ولهذا يُكنَّى عنه بمعبود الأمم وبسرِّ الوجود، وروى كريسكوا المؤرِّخ الروسي: إنَّ كاترينا (إمبراطورة روسيا) شكت كسل رعيّتها، فأرشدها شيطانُها إلى حمل النِّساء على الخلاعة، ففعلت وأحدثت كسوة المراقص، فهبَّ الشبّان للعمل وكسب المال لصرفه على ربّات الجمال، وفي ظرف خمس سنين؛ تضاعف دخل خزينتها، فاتَّسع لها مجال الإسراف. وهكذا المستبدّون لا تهمهم الأخلاق، إنَّما يهمهم المال."




التموُّل

أي ادِّخار المال


" هو طبيعة في بعض أنواع الحيوانات الدنيئة كالنمل والنحل، ولا أثر له في الحيوانات المرتقية غير أن الإنسان تطبَّع على التموُّل لدواعي الحاجة المحقَّقة أو الموهومة."


" إنَّ التموُّل لأجل الحاجات الضرورية وبقدرها فقط محمود بثلاثة شروط، وإلاّ كان التموّل من أقبح الخصال:

الشرط الأول: أن يكون المال بوجه مشروع

والشرط الثاني: أن لا يكون في التموّل تضييق على حاجيات الغير كاحتكار الضروريات، أو مزاحمة الصنّاع والعمال الضعفاء، أو التغلُّب على المباحات؛ مثل امتلاك الأراضي التي جعلها خالقها ممرحاً لكافة مخلوقاته

والشرط الثالث لجواز التمّول، هو: ألا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير، لأن إفراط الثروة مهلكة للأخلاق الحميدة في الإنسان."


" حِرْص التموُّل، يخفُّ كثيراً عند أهالي الحكومات العادلة المنتظمة ما لم يكن فساد الأخلاق منغلباً على الأهالي، كأكثر الأمم المتمدِّنة في عهدنا؛ لأنَّ فساد الأخلاق يزيد في الميل إلى التموُّل مع نسبة الحاجة الإسرافية، ولكنَّ تحصيل الثروة الطائلة في عهد الحكومة العادلة عسيرٌ جداً، وقد لا يتأتى إلا من طريق المراباة مع الأمم المنحطّة، أو التجارة الكبيرة التي فيها نوع احتكار، أو الاستعمار في البلاد البعيدة."


" وحِرْص التموّل القبيح يشتدُّ في رؤوس الناس في عهد الحكومات المستبدِّة؛ حيث يسهل فيها تحصيل الثروة بالسرقة من بيت المال، وبالتعدّي على الحقوق العامة، وبغصب ما في أيدي الضعفاء، ورأس مال ذلك هو أنْ يترك الإنسان الدِّين والوجدان والحياء جانباً وينحطَّ في أخلاقه إلى ملائمة المستبدّ الأعظم، أو أحد أعوانه وعماله، ويكفيه وسيلةً أن يتّصل بباب أحدهم ويتقرَّب من أعتابه، ويظهر له أنَّه في الأخلاق من أمثاله وعلى شاكلته، ويبرهن له ذلك بأشياء من التملُّق وشهادة الزور، وخدمة الشهوات، والتجسس، والدلالة على السّلب ونحو ذلك. ثمَّ قد يطلع هذا المنتسب على بعض الخفايا والأسرار التي يخاف رجال الاستبداد من ظهورها خوفاً حقيقياً أو وهمياً، فيكسب المنتسب رسوخ القدم ويصير هو باباً لغيره، وهكذا يحصل على الثروة الطائلة إذا ساعدته الظروف على الثّبات طويلاً.

وهذا أعظم أبواب الثروة

ويليه الاتِّجار بالدّين،

ثمَّ الملاهي،

ثمَّ الربا الفاحش."


" ثروة هؤلاء يتعجّلها الزوال؛ حيث يغصبها الأقوى منهم من الأضعف، وقد يسلبها المستبدُّ الأعظم في لحظةٍ وبكلمة."


" ومن طبائع الاستبداد، أنَّ الأغنياء أعداؤه فكراً وأوتاده عملاً، فهم ربائط المستبدِّ، يذلُّهم فيئنّون، ويستدرّهم فيحنّون."


" ومن طبائع الاستبداد أنَّه لا يظهر فيه أثرُ فقر الأمة ظهوراً بياناً إلا فجأةً قُرَيب قضاء الاستبداد نحبه."



" لنرجع إلى بحث طبيعة الاستبداد في مطلق المال فأقول: إنَّ الاستبداد يجعل المال في أيدي الناس عرضةً لسلب المستبدّ وأعوانه وعمّاله غصباً، أو بحجةٍ باطلة."

ليست هناك تعليقات: